لكن تلك الآثار –مهما كثرت وتعددت-ترجع إلى أصل واحد من آثارالصيام،وهو تقوى الله التي يثمرها الصيام فينفس الصائم، فإذا تحقق له هذا الأصل، تحققت لهجميع الآثار المتفرعة عن عنه.
ولهذا سأكتفي بالحديث عن هذا الأصل، وأسوق فيه كلامبعض العلماء، وبخاصة المفسرين الذي سطروه في كتبهم عند تفسيرهم لآياتالصيام.
وسأذكر نصا واحدا من الأحاديث النبوية الدالة على أنالحكمة من تشريع الصوم هي أن يكتسب الصائم منه تقوى الله تعالى، التي تدفعه إلىطاعة الله وتحجزه عن معاصيه.
فعلى المسلم الصائم أن يختبر نفسه، وهو يؤدي هذه الفريضة العظيمة، هل اكتسب من صومه تقوى ربه، فحافظ على طاعته بفعل ما أمره به،وترك ما نهاه عنه؟ فإن وجد نفسه كذلك، فليحمد الله، وليستمر في سيره إلى ربه جادافي طلب رضاه عنه.
وإن وجد غير ذلك، فليراجع نفسه ويجاهدها على تحقيقما شرع الصوم من أجله، وهو تقوى الله، التي لا يهتدي بالقرآن –أصلا-إلاأهلها.
فقد بين الله سبحانه وتعالى أن القرآن العظيم، لاينتفع به ويهتدي بهداه إلا المتقون.
فالقرآن- وإن نزل لدعوة الناس كلهم إلى طاعةالله وتقواه-لا يهتدي به في الواقع إلا أهل التقوى، كما قال تعالى: ((الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين))
ومن أهم العبادات التي تكسب المؤمن تقوى الله الصيام، وبخاصة صيام شهر رمضان، كما قال
تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون))
وإنما يثمر الصيام التقوى، لما فيه من إلزام الإنسان نفسه بطاعة ربه فياجتناب المباحات التي أصبحت محرمة عليه، بعد شروعه في الصيام.
وحقيقة التقوى،امتثال أمر الله بفعله، وامتثال نهية باجتنابه.......
والمؤمن عندما يدع ما تشتهيه نفسه من المباحات والطيبات، طاعة لربه سبحانه، يكون أكثر بعدا عما هو محرم عليه في الأصل، وأشد حرصاعلى فعل ما أمره الله به.
وقد دل الحديث الصحيح على أن الله تعالى شرع الصيام ليثمر في الصائم هذا الأصل، وهو تقواه، وأن الذي لا يثمر فيه صومه التقوى يعتبرعاطلا عن حقيقة الصيام، ولو ترك طعامه وشرابه...
كما روى أبو هريرة رضي الله عنه، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) البخاري
ولوضوح النصوص من القرآن والسنة في أن الغايةالأساسية من الصوم تقوى الله، رأى ابن حزم رحمه الله، أن جميع المعاصي التي تصدر منا لصائم تفسد صومه، ولو لم تكن طعاما وشرابا وجماع، كالنميمة والغيبة...
وأثبت هنا خلاصة لكلامه:
"734 مسألة ويبطل الصوم أيضا تعمد كل معصية أي معصية كانت لاتحاش إذا فعلها عامدا ذاكرا لصومه كمباشرة من لا يحل له من أنثى أو ذكر أو تقبيلامرأته وأمته المباحتين له من أنثى أو ذكر أو إتيان في دبر امرأته أو أمته أوغيرهما أو كذب أو غيبة أو نميمة أو تعمد ترك صلاة أو ظلم ذلك من كل ما حرم علىالمرء فعله
برهان ذلك...... (ما رواه أبو هريرة) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يصخب فإن سابه أحد أوقاتله فليقل إني صائم)..... [و] عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه))
وخالفه فيذلك جماهير العلماء، ولهذا قال الحافظ في الفتح: "وأفرط بن جزم فقال يبطله كل معصيةمن متعمد لها ذاكر لصومه سواء كانت فعلا أو قولا لعموم قوله فلا يرفث ولا يجهل،ولقوله في الحديث الآتي بعد أبواب: من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فيأن يدع طعامه وشرابه..."